شرح سبعون حديثًا (28)
28- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يُسلِّم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير»؛ متفق عليه.
قال الحافظ في الفتح:
قد تكلم العلماء على الحكمة فيمن شرع لهم الابتداء؛ فقال ابن بطال عن المهلب: تسليم الصغير لأجل حق الكبير؛ لأنه أُمر بتوقيره والتواضع له، وتسليم القليل لأجل حق الكثير؛ لأن حقهم أعظم، وتسليم المار لشبهه بالداخل على أهل المنزل، وتسليم الراكب؛ لئلا يتكبر بركوبه، فيرجع إلى التواضع، وقال ابن العربي: حاصل ما في هذا الحديث أن المفضول بنوع ما يبدأُ الفاضل، وقال المازري: أما أمر الراكب، فلأن له مزيةً على الماشي، فعوض الماشي بأن يبدأه الراكب بالسلام؛ احتياطًا على الراكب من الزهو أن لو حاز الفضيلتين، وأما الماشي، فلما يتوقع القاعد منه من الشر، ولا سيما إذا كان راكبًا، فإذا ابتدأ بالسلام، أمِن منه ذلك، وأنِس إليه، أو لأن في التصرف في الحاجات امتهانًا، فصار للقاعد مزية، فأُمِر بالابتداء، أو لأن القاعد يشق عليه مراعاة المارين مع كثرتهم، فسقَطت البداءة عنه للمشقة بخلاف المار، فلا مشقَّة عليه، وأما القليل، فلفضيلة الجماعة، أو لأن الجماعة لو ابتدءوا، لخِيف على الواحد الزهو، فاحتيط له، ولم يقع تسليم الصغير على الكبير في صحيح مسلم، وكأنه لمراعاة السن، فإنه معتبر في أمور كثيرة في الشرع، فلو تعارَض الصغر المعنوي والحسي- كأن يكون الأصغر أعلم مثلًا- ففيه نظر ولم أرَ فيه نقلًا، والذي يظهر اعتبار السن؛ لأنه الظاهر؛ كما تُقدَّم الحقيقة على المجاز.
ونقل ابن دقيق العيد عن ابن رشد أن محل الأمر في تسليم الصغير على الكبير إذا التَقيا، فإن كان أحدهما راكبًا والآخر ماشيًا، بدأ الراكب، وإن كانا راكبين أو ماشيين، بدأ الصغير.
المصدر: موقع الألوكة.